والتأويل هو أصل به هُدمت الشريعة، ويوضح ذلك: أن الذين ينفون صفات الله عَزَّ وَجَلَّ كـالمعطلة والباطنية والرافضة، وأمثالهم من الذين يضربون كتاب الله بعضه ببعض، هَؤُلاءِ هم قوم مجاهرون ومعادون لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بوضوح، ويعادون الأمة الإسلامية وجماعة الْمُسْلِمِينَ، ويعادون الأصول الشرعية، فيردون الآية والحديث، وأمرهم واضح جلي، لكن المؤول أخطر وجنايته أكثر، لأنه يقول: أنا أؤمن بالآية والحديث، ويقول: أنا من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وهكذا يدعي المؤولون: أنهم من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
والتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إِلَى المعنى المرجوح قرينة.
والتأويلات كثيرة جداً، وبعضها مضحك، وبعضها يستدعي التعجب، فمثلاً ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ))[المائدة:64] ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي))[ص:75] هنا "يدَي"، وهناك "يداه"، فالمؤول يقول: نؤول اليد، مع أن ظاهر اليد صفة معروفة.
فالذين يثبتون لله عَزَّ وَجَلَّ هذه الصفة يقولون: اليد حقيقية تليق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا نعرف كيفيتها، فيقول المؤولة هذا الظاهر، ونحن مسلّمون بأنه ظاهر اللفظ وأنه تدل عليه الآية، لكن نصرف هذا الظاهر إِلَى وجه واحتمال مرجوح، وهو أن لفظة اليد معناها النعمة أو القدرة، لقرينة وهي: تنزيه الله عَزَّ وَجَلَّ، فالقواطع والبراهين العقلية دلت عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منزه عن الجارحة
.
فهناك قواعد عقلية وضعوها هم:
منها: أن الله ينزه عن الجارح، واليد جارحة، فتنفى عن الله ويصرف اللفظ من الاحتمال الراجح المتبادر الذي يعرفه كل من يقرؤه إِلَى احتمال مرجوح يقال فيها بوجود القرينة، وهي البرهان العقلي الذي قام عَلَى تنزيه الله تعالى.
وأولوا وحرفوا بتأويلات عجيبة، نذكر فقط بعض الامثلة، ففي الحديث الصحيح: {لا تزال النار تقول هل من مزيد حتى يضع الله تَعَالَى قدمه في النار} وروايات كثيرة في أن النَّار لا تمتلئ حتى يضع الجبار تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيها قدمه، وفي رواية: {رجله} كلها في صحيح البُخَارِيّ ومسلم، {يضع الله تعالى قدمه في النَّار فتقول: قط قط} وفي إحدى الروايات كلمة {الجبار} وفي روايات كثيرة: {يضع الله}، {يضع الرحمن} فَقَالُوا: الجبار إما أنه أحد الملائكة اسمه "الجبار"، وإما أنه أحد الظلمة من أهل الأرض، فلا تمتلئ حتى يضع هذا الجبار الطاغوت قدمه أو رجله في النار، فتقول: قط قط قد امتلأت.
وهذا تأويل أبي المعالي الجويني، وقد رجع عن ذلك، وتبعه عليه أبو حامد الغزالي، وهو موجود في كتابه المصقول في علم المنقول، وهم قالوا بذلك هروباً من أن يقولوا: هو الله عَزَّ وَجَلَّ.
والروايات الأخرى التي فيها (الله، الرحمن) قالوا: عندنا قرينة وهي: أن الله ينزه عن الأبعاض والجوارح، وهذا قد قامت عليه البراهين العقلية والأدلة القطعية من العقل، فتنفى.
وحديث الحبر اليهودي، رواه الإمام أَحْمَد والبُخَارِيّ ومسلم وغيرهم، أنه جَاءَ إِلَى النبي وقَالَ: {أما علمت يا مُحَمَّد أن الله يَوْمَ القِيَامَةِ يضع السماوات عَلَى إصبع، والأرضين عَلَى إصبع، والثرى عَلَى إصبع، والشجر عَلَى إصبع، وبقية الخلائق عَلَى إصبع} وفي رواية الإمام أَحْمَد: {أنه يضع الأرض عَلَى ذه وأشار إِلَى السبابة} ثُمَّ استمر في بقية الأصابع.
وفي الحديث: {فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصديقاً لقوله} هكذا نص الحديث "على إصبع" فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصديقاً لقوله.
ومثله الآية: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر:67]، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك تصديقاً لقوله، وأن هذا حق، لكن كيفية الصفة غير معلومة لنا، فله من الصفات ما يليق به كما أن للمخلوق ما يليق به.
وأما المؤولة فقالوا هذا الحديث يؤول، وذلك كـابن فورك، فإنه قَالَ: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك تعجباً من تشبيه هذا الكافر اليهودي.
فيقال هل ضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجباً من كفره؟!!
تأويلات غريبة ليس عليها أي دليل، إلا أنه كما قالوا: قامت القواطع والبراهين العقلية عَلَى أن هناك قرينة تمنعنا من أن نقول بظاهر هذا اللفظ.

ومن الأدلة عَلَى بطلان التأويل، ما قاله: أبو المعالي الجويني نفسه -شيخ الغزالي- في آخر عمره لما رجع عن الأشعرية، وقد كَانَ إمامهم، وألف كتاباً سماه الرسالة النظامية "إني اطلعت فرأيت السلف مطبقين عَلَى عدم التأويل مع كثرة اهتمامهم بفروع الشريعة، فلما رأيتهم قد نقلوا إلينا الشريعة كاملة، وأنهم أكثر منا اهتماماً بأصول الشريعة وفروعها، ورأيتهم مطبقين عَلَى عدم التأويل، علمت أن التأويل غير حق، فتركت التأويل" .